Description
سؤال المجتمع عند مالك بن نبي
لم يكن مالك بن نبي مؤلِّفًا شغوفًا بالدراسات النظرية؛ وإنّما كان رجل قضية عاش مأساة أمّته بعد أن أدرك طبيعتها، فنذر حياته لها ومن ثم حدّد أولوياته الفكرية حيالها: استقراء تاريخٍ، وقراءة واقعٍ، وبناء خطةٍ عملية، لتمكين الأمة من العودة إلى التاريخ الذي خرجت منه بعد أن أكملت دورتها الحضارية الأولى.
لهذا، تميّز مالك بن نبي بمنظور منهجي في تناول مشكلات الإنسان والمجتمع والحضارة بتأكيده أن مشكلات العالم الإسلامي تنتظم داخل مشكلة مركزية كبرى سمّاها “المشكلة الإسلامية“، واعتبرها مشكلة حضاريةٌ في طبيعتِها وتربويةٌ في جوهرها بالنظر إلى مركزية العامل الإنساني فيها. إنّه يرى أنّ أيّة محاولة لتناول “المشكلة الإسلامية” خارج هذا المنظور ليس إلا تضييعًا للجهد والوقت والمال. ولذلك، فإنّ تعثّر محاولات استئصال العالم الإسلامي من وضعية التخلّف الحضاري “المزمن” لَهي مُؤَشّر قويّ على أهمية المنظور المنهجي السُنني، وأنّ الغفلةَ عنه خطأ منهجي فادح في نظره.
إنّ القراءة المتأنية لمنهج مالك بن نبي في تناول طبيعة المجتمع، تؤكّد تركيزَه على البعد الوظيفي، بعيداً عن التأمّل الفلسفي الصِرف، على الرغم من أنّه تناول بعض المفاهيم النظرية “التأسيسية”كضرورة منهجية اقتضاها التمهيد للدراسة، مبرّرًا ذلك بأنّ “في علم الاجتماع توجد بعض المفاهيم التي تبدو أحياناً غير محدّدة في ذهن القارئ في البلاد الإسلامية…وقد يؤدِّي تعقّدها إلى مناقشات هي أقرب إلى الطابع الأدبي منها إلى منطق العلم…ولهذا، لابد -بالنسبة إليه- من أن ننشئ أوّلاً الإطار النظري للموضوع قبل معالجته من الزواية التاريخية”(ميلاد مجتمع: 9) ، أي الجانب العملي الذي يساعدنا على تحديد آليات البناء أو إعادة البناء. إنّ المنظور الوظيفي لتناول موضوع المجتمع من أجل:
فهم طبيعته وفقًا للمرحلة التاريخية التي يشهدها،
أو وضع آليات بنائه وتأهيله لأداء وظيفته التاريخية في الحياة،
أو أدوات المحافظة على البناء لتمكينه من الاستمرار في أداء هذه الوظيفة،
كان يسعى من خلاله إلى بلورة الآليات الفكرية والعملية التربوية التي تمكِّن المسلمين من إعادة البناء واستئناف الوظيفة التاريخية للأمة في التاريخ.
Reviews
There are no reviews yet.